روح الحب
عدد المساهمات : 264 نقاط : 1364 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 10/03/2011 الموقع : دمشق العمر : 31
| موضوع: في كتمان السر السبت أبريل 16, 2011 7:07 pm | |
| فِي كِتْمَانِ السِّرِّ اعْلَمْ أَنَّ كِتْمَانَ الاسْرَارِ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ النَّجَاحِ، وَأَدْوَمِ لِأَحْوَالِ الصَّلاَحِ. رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {اسْتَعِينُوا عَلَى الْحَاجَاتِ بِالْكِتْمَانِ فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ}. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: سِرُّك أَسِيرُك فَإِنْ تَكَلَّمْت بِهِ صِرْت أَسِيرَهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ كُنْ جَوَادًا بِالْمَالِ فِي مَوْضِعِ الْحَقِّ، ضَنِينًا بِالاسْرَارِ عَنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ. فَإِنَّ أَحْمَدَ جُودِ الْمَرْءِ الانْفَاقُ فِي وَجْهِ الْبِرِّ، وَالْبُخْلُ بِمَكْتُومِ السِّرِّ. وَقَالَ بَعْضُ الادَبَاءِ: مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَ الْخِيَارُ إلَيْهِ، وَمَنْ أَفْشَاهُ كَانَ الْخِيَارُ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: مَا أَسَرَّك مَا كَتَمْت سِرَّك. وَقَالَ بَعْضُ الْفُصَحَاءِ: مَا لَمْ تُغَيِّبْهُ الاضَالِعُ فَهُوَ مَكْشُوفٌ ضَائِعٌ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ، وَهُوَ أَنَسُ بْنُ أُسَيْدٍ: وَلاَ تُفْشِ سِرَّك الا إلَيْك فَإِنَّ لِكُلِّ نَصِيحٍ نَصِيحَا فَإِنِّي رَأَيْتُ وُشَاةَ الرِّجَالِ لاَ يَتْرُكُونَ أَدِيمًا صَحِيحَا وَكَمْ مِنْ إظْهَارِ سِرٍّ أَرَاقَ دَمَ صَاحِبِهِ، وَمَنَعَ مِنْ نَيْلِ مَطَالِبِهِ، وَلَوْ كَتَمَهُ كَانَ مِنْ سَطْوَتِهِ آمِنًا، وَفِي عَوَاقِبِهِ سَالِمًا، وَلِنَجَاحِ حَوَائِجِهِ رَاجِيًا. وَقَالَ أَنُوشِرْوَانَ: مَنْ حَصَّنَ سِرَّهُ فَلَهُ بِتَحْصِينِهِ خَصْلَتَانِ: الظَّفَرُ بِحَاجَتِهِ، وَالسَّلاَمَةُ مِنْ السَّطَوَاتِ. وَإِظْهَارُ الرَّجُلِ سِرَّ غَيْرِهِ أَقْبَحُ مِنْ إظْهَارِهِ سِرَّ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَبُوءُ بِإِحْدَى وَصْمَتَيْنِ: الْخِيَانَةُ إنْ كَانَ مُؤْتَمَنًا، أَوْ النَّمِيمَةُ إنْ كَانَ مُسْتَوْدَعًا. فَأَمَّا الضَّرَرُ فَرُبَّمَا اسْتَوَيَا فِيهِ وَتَفَاضَلاَ. وَكِلاَهُمَا مَذْمُومٌ، وَهُوَ فِيهِمَا مَلُومٌ. وَفِي الاسْتِرْسَالِ بِإِبْدَاءِ السِّرِّ دَلاَئِلُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَحْوَالٍ مَذْمُومَةٍ: إحْدَاهَا: ضِيقُ الصَّدْرِ، وَقِلَّةُ الصَّبْرِ، حَتَّى أَنَّهُ لَمْ يَتَّسِعْ لِسِرٍّ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَبْرٍ. وَقَالَ الشَّاعِرُ: إذَا الْمَرْءُ أَفْشَى سِرَّهُ بِلِسَانِهِ وَلاَمَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ فَهُوَ أَحْمَقُ إذَا ضَاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ عَنْ سِرِّ نَفْسِهِ فَصَدْرُ الَّذِي يُسْتَوْدَعُ السِّرَّ أَضْيَقُ وَالثَّانِيَةُ: الْغَفْلَةُ عَنْ تَحَذُّرِ الْعُقَلاَءِ، وَالسَّهْوُ عَنْ يَقِظَةِ الاذْكِيَاءِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: انْفَرِدْ بِسِرِّك وَلاَ تُودِعْهُ حَازِمًا فَيَزِلَّ، وَلاَ جَاهِلًا فَيَخُونَ. وَالثَّالِثَةُ: مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْغَدْرِ، وَاسْتَعْمَلَهُ مِنْ الْخَطَرِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: سِرُّك مِنْ دَمِك فَإِذَا تَكَلَّمْت بِهِ فَقَدْ أَرَقْتَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الاسْرَارِ مَا لاَ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ مُطَالَعَةِ صَدِيقٍ مُسَاهِمٍ، وَاسْتِشَارَةِ نَاصِحٍ مُسَالِمٍ. فَلْيَخْتَرْ الْعَاقِلُ لِسِرِّهِ أَمِينًا إنْ لَمْ يَجِدْ إلَى كَتْمِهِ سَبِيلًا، وَلْيَتَحَرَّ فِي اخْتِيَارِ مَنْ يَأْتَمِنُهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَوْدِعُهُ إيَّاهُ. فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى الامْوَالِ أَمِينًا كَانَ عَلَى الاسْرَارِ مُؤْتَمَنًا. وَالْعِفَّةُ عَنْ الامْوَالِ أَيْسَرُ مِنْ الْعِفَّةِ عَنْ إذَاعَةِ الاسْرَارِ؛ لِأَنَّ الانْسَانَ قَدْ يُذِيعَ سِرَّ نَفْسِهِ بِبَادِرَةِ لِسَانِهِ، وَسَقَطِ كَلاَمِهِ، وَيَشُحُّ بِالْيَسِيرِ مِنْ مَالِهِ، حِفْظًا لَهُ وَضَنًّا بِهِ، وَلاَ يَرَى مَا أَذَاعَ مِنْ سِرِّهِ كَبِيرًا فِي جَنْبِ مَا حَفِظَهُ مِنْ يَسِيرِ مَالِهِ مَعَ عِظَمِ الضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ. فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ أُمَنَاءُ الاسْرَارِ أَشَدَّ تَعَذُّرًا وَأَقَلَّ وُجُودًا مِنْ أُمَنَاءِ الامْوَالِ. وَكَانَ حِفْظُ الْمَالِ أَيْسَرَ مِنْ كَتْمِ الاسْرَارِ؛ لِأَنَّ إحْرَازَ الامْوَالِ مَنِيعَةٌ وَإِحْرَازَ الاسْرَارِ بَارِزَةٌ يُذِيعُهَا لِسَانٌ نَاطِقٌ، وَيُشِيعُهَا كَلاَمٌ سَابِقٌ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه: الْقُلُوبُ أَوْعِيَةُ الاسْرَارِ، وَالشِّفَاءُ أَقْفَالُهَا وَالالْسُنُ مَفَاتِيحُهَا، فَلْيَحْفَظْ كُلُّ امْرِئٍ مِفْتَاحَ سِرِّهِ. وَمِنْ صِفَاتِ أَمِينِ السِّرِّ أَنْ يَكُونَ ذَا عَقْلٍ صَادٍّ، وَدِينٍ حَاجِزٍ، وَنُصْحٍ مَبْذُولٍ، وَوُدٍّ مَوْفُورٍ، وَكَتُومًا بِالطَّبْعِ. فَإِنَّ هَذِهِ الامُورَ تَمْنَعُ مِنْ الاذَاعَةِ، وَتُوجِبُ حِفْظَ الامَانَةِ، فَمَنْ كَمُلَتْ فِيهِ فَهُوَ عَنْقَاءُ مُغْرِبٍ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: قُلُوبُ الْعُقَلاَءِ حُصُونُ الاسْرَارِ. وَلْيَحْذَرْ صَاحِبُ السِّرِّ أَنْ يُودِعَ سِرَّهُ مَنْ يَتَطَلَّعُ إلَيْهِ، وَيُؤْثِرُ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ طَالِبَ الْوَدِيعَةِ خَائِنٌ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: لاَ تُنْكِحْ خَاطِبَ سِرِّك. وَقَالَ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ: لاَ تَدَعْ سِرًّا إلَى طَالِبِهِ مِنْك فَالطَّالِبُ لِلسِّرِّ مُذِيعُ وَلْيَحْذَرْ كَثْرَةَ الْمُسْتَوْدَعِينَ لِسِرِّهِ فَإِنَّ كَثْرَتَهُمْ سَبَبُ الاذَاعَةِ، وَطَرِيقٌ إلَى الاشَاعَةِ؛ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ اجْتِمَاعَ هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي الْعَدَدِ الْكَثِيرِ مُعْوِزٌ، وَلاَ بُدَّ إذَا كَثُرُوا مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ أَخَلَّ بِبَعْضِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَجِدُ سَبِيلًا إلَى نَفْيِ الاذَاعَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِحَالَةِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ، فَلاَ يُضَافُ إلَيْهِ ذَنْبٌ، وَلاَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ عَتْبٌ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: كُلَّمَا كَثُرَتْ خِزَانُ الاسْرَارِ ازْدَادَتْ ضَيَاعًا. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: وَسِرُّك مَا كَانَ عِنْدَ امْرِئٍ وَسِرُّ الثَّلاَثَةِ غَيْرُ الْخَفِي وَقَالَ آخَرُ: فَلاَ تَنْطِقْ بِسِرِّك كُلُّ سِرٍّ إذَا مَا جَاوَزَ الاثْنَيْنِ فَاشِي ثُمَّ لَوْ سَلِمَ مِنْ إذَاعَتِهِمْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ إدْلاَلِهِمْ وَاسْتِطَالَتِهِمْ، فَإِنَّ لِمَنْ ظَفِرَ بِسِرٍّ مِنْ فَرْطِ الادْلاَلِ وَكَثْرَةِ الاسْتِطَالَةِ، مَا إنْ لَمْ يَحْجِزْهُ عَنْهُ عَقْلٌ وَلَمْ يَكُفَّهُ عَنْهُ فَضْلٌ، كَانَ أَشَدَّ مِنْ ذُلِّ الرِّقِّ وَخُضُوعِ الْعَبْدِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ أَفْشَى سِرَّهُ كَثُرَ عَلَيْهِ الْمُتَأَمِّرُونَ. فَإِذَا اخْتَارَ وَأَرْجُو أَنْ يُوَفَّقَ لِلِاخْتِيَارِ، وَاضْطَرَّ إلَى اسْتِيدَاعِ سِرِّهِ وَلَيْتَهُ كُفِيَ الاضْطِرَارُ، وَجَبَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ لَهُ أَدَاءُ الامَانَةِ فِيهِ بِالتَّحَفُّظِ وَالتَّنَاسِي لَهُ حَتَّى لاَ يَخْطِرَ لَهُ بِبَالٍ وَلاَ يَدُورَ لَهُ فِي خَلَدٍ. ثُمَّ يَرَى ذَلِكَ حُرْمَةً يَرْعَاهَا وَلاَ يُدِلُّ إدْلاَلَ اللِّئَامِ. وَحُكِيَ أَنَّ رَجُلًا أَسَرَّ إلَى صَدِيقٍ لَهُ حَدِيثًا ثُمَّ قَالَ: أَفَهِمْت ؟ قَالَ: بَلْ جَهِلْتُ. قَالَ: أَحَفِظْت ؟ قَالَ: بَلْ نَسِيتُ. وَقِيلَ لِرَجُلٍ: كَيْفَ كِتْمَانُك لِلسِّرِّ ؟ قَالَ: أَجْحَدُ الْخَبَرَ وَأَحْلِفُ لِلْمُسْتَخْبِرِ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: وَلَوْ قَدَرْتُ عَلَى نِسْيَانِ مَا اشْتَمَلَتْ مِنِّي الضُّلُوعُ عَلَى الاسْرَارِ وَالْخَبَرِ لَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ يَنْسَى سَرَائِرَهُ إذَا كُنْتُ مِنْ نَشْرِهَا يَوْمًا عَلَى خَطَرِ وَحُكِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَاهِرٍ تَذَاكَرَ النَّاسُ فِي مَجْلِسِهِ حِفْظَ السِّرِّ فَقَالَ ابْنُهُ: وَمُسْتَوْدَعِي سِرًّا تَضَمَّنْتُ سِرَّهُ فَأَوْدَعْتُهُ مِنْ مُسْتَقَرِّ الْحَشَى قَبْرَا وَلَكِنَّنِي أُخْفِيهِ عَنِّي كَأَنَّنِي مِنْ الدَّهْرِ يَوْمًا مَا أَحَطْتُ بِهِ خُبْرَا وَمَا السِّرُّ فِي قَلْبِي كَمَيْتٍ بِحُفْرَةٍ لِأَنِّي أَرَى الْمَدْفُونَ يَنْتَظِرُ النَّشْرَا.
| |
|
عاشقة الصداقة
عدد المساهمات : 390 نقاط : 2070 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 08/03/2011 الموقع : الشرقيه ..فديتهـــــــــآآآ..~ العمر : 29
| موضوع: رد: في كتمان السر الأحد أبريل 17, 2011 3:00 pm | |
| مشكور فؤاد ع الموضوع القييم والرائع | |
|
روح الحب
عدد المساهمات : 264 نقاط : 1364 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 10/03/2011 الموقع : دمشق العمر : 31
| موضوع: رد: في كتمان السر الأحد أبريل 17, 2011 6:34 pm | |
| | |
|